الآثار البيولوجية للإشعاع

 الآثار البيولوجية للإشعاع



مقدمة

ينشأ تفاعل الأشعة مع جسم الإنسان عن مصدرين، المصدر الأول يكون تأثيره من خارج الجسم أما الداخلي فينجم عن مصدر تلوث داخلي بالمواد المشعة. وكلاهما يقود إلى تأثيرات بيولوجية قد تظهر فيما بعد كأعراض مرضية. وتعتمد طبيعة وشدة هذه الأعراض والمدة التي تظهر فيها على مقدار الجرعة المتعرض لها، وكذلك على الفترة الزمنية لهذا التعرض. وتقسم هذه الأعراض إلى نوعيين: الأول يسمى بالتأثيرات الجسدية Somatic Effects حيث يظهر التلف في نفس الشخص المتعرض للإشعاع. أما النوع الثاني فيسمى التأثيرات الوراثية Hereditary Effects  حيث تظهر في ذرية الشخص المتعرض للإشعاع فقط لحدوث تلف في الخلايا التناسلية للأعضاء الجنسية.


فسيولوجية الإنسان وكيفية دخول المواد المشعة

إن معرفة فسيولوجية الإنسان( وظائف أعضاء  جسم الإنسان وأجهزته المختلفة) ضرورية لفهم طرق وصول المواد المشعة لأعضاء الجسم وتوزعها داخله. وعموماً يتكون جسم الإنسان من عدة أعضاء وأجهزة يقوم كل منها بوظيفة معينة. وأهم الأجهزة اللازمة لفهم كيفية توزع المواد المشعة في الجسم هي الجهاز الدوري والجهاز التنفسي والجهاز الهضمي.


الجهاز الدوري Circulatory  System



هو عبارة عن دارة مغلقة من الأنابيب ينتقل عبرها الدم من القلب إلى جميع أجزاء الجسم ثم يعود من هذه الأجزاء إلى القلب فيدفع إلى الرئتين ثم يعود إلى القلب مرة ثانية. والقلب عبارة عن مضختين، تقوم المضخة اليسرى بدفع الدم المحمل بالأكسجين والغذاء إلى جميع الأنسجة خلال الشرايين. وعند مرور الدم في الشعيرات الدموية تحدث عملية تبادل ينتقل خلالها الأكسجين والغذاء إلى الخلايا في حين تنتقل الفضلات وثاني أكسيد الكربون من الخلايا إلى الدم، ثم يعود الدم عبر الأوردة إلى القلب. وأما المضخة اليمنى من القلب فتضخ الدم خلال الشريان الرئوي إلى الرئتين لطرد ثاني أكسيد الكربون ويؤكسد الدم ثم يعود من جديد خلال الأوردة الرئوية إلى القلب.

ويحتوي جسم الإنسان كامل النمو على حوالي خمسة لترات من الدم وتدور هذه الكمية في الجسم مر كل حوالي دقيقة. ويتكون الدم من ثلاث أنواع من الخلايا هي الخلايا الحمراء      (erythrocytes) والخلايا البيضاء (lymphocytes + granulocytes) والصفائح الدموية  (thrombocytes)  ويقوم كل منها بوظيفة معينة فالخلايا الحمراء تنقل الأكسجين والغذاء الذي تحتاجها خلايا الجسم، والخلايا البيضاء تعتبر وسيلة دفاع الميكروبات، أما الصفائح فوظيفتها تكوين الجلطة الدموية عند حدوث أي جروح لمنع النزيف.


الجهاز التنفسي  Respiratory System


 

تتلخص عملية التنفس في التخلص من ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء والحصول على الأكسجين اللازم. وتحدث هذه العملية في الرئتين عند مرور الدم في شعيراتها فتتم عملية التبادل في الشعيرات القريبة من الحويصلات الهوائية. ويحتاج الإنسان البالغ إلى حوالي 20 متراً مكعباً من الهواء في اليوم يستهلك نصفها تقريباً خلال ساعات العمل الثمانية.

وأثناء عملية التنفس يستنشق الإنسان مواد غريبة كثيرة تكون في حالة غازية أو على شكل غبار. فإذا كانت هذه المواد في حالة غازية فإنها تمر مع الهواء إلى الدم بنسب كبيرة أو صغيرة حسب سرعة ذوبانها في الدم. وإذا كانت هذه المواد على شكل غبار فإنه يترسب جزء منها في الرئتين، ويخرج الجزء الآخر مع الزفير أو يعلق في الجزء العلوي من الجهاز التنفسي وبالتالي يتم بلعها مع الطعام. ويعتمد سلوك المواد المترسبة في الرئتين على سرعة ذوبانها في الدم فإذا كانت سريعة الذوبان فإنها تمتص بسرعة (خلال ساعات محدودة) وتسير مع الدم. أما إذا كانت بطيئة الذوبان فإنها تعلق في الرئتين لمدة طويلة قد تصل إلى عدة شهور. وبذلك يتضح إن الجهاز التنفسي يعتبر أحد المداخل الرئيسية لدخول المواد المشعة ثم انتقالها للدم ومنه إلى أعضاء الحسم المختلفة.


الجهاز الهضمي Digestive System 



يتكون الجهاز الهضمي من البلعوم والمريء والمعدة والاثنى عشر والأمعاء الدقيقة والأمعاء الغليظة. ويتحول الغذاء في هذا الجهاز بفعل الإنزيمات الهاضمة إلى صور بسيطة ومناسبة لامتصاصه وتوصيله إلى الدم ومنه إلى خلايا الجسم فتحصل بذلك على الطاقة اللازمة للاحتراق والغذاء اللازم للنمو وإعادة بناء الخلايا. وأما الغذاء الذي لم يمتص و كذلك البكتيريا والخلايا الميتة التي تلفظها الأمعاء فتخرج جميعاً على شكل فضلات صلبة.وأما الفضلات السائلة وهي الفضلات والأملاح الذائبة في الماء والتي تتكون داخل الخلية فيتم إخراجها عن طريق الكليتينKidneys  والمسالك البولية.

وعند بلع المواد المشعة تمر مع الطعام عبر الجهاز الهضمي. فإذا كانت هذه المواد من النوع الذي يذوب بفعل الإنزيمات المختلفة فإنها تمتص مع الغذاء وتصل إلى الدم الذي يوزعها إلى جميع أجزاء الجسم ويمكن أن تتركز في أعضاء معينة منه. وأما المواد غير القابلة للذوبان فإنها تمر عبر الجهاز الهضمي كله وتقوم بتشعيع هذا الجهاز اثناء مرورها فيه وخاصة الأمعاء.


الخلية الحية The Cell



تتكون جميع أعضاء الكائنات الحية من وحدات دقيقة تعرف بالخلية. وأهم مكونات الخلية هي النواة والسائل السيتوبلازمي وجدار الخلية (الشكل 1). ويعتبر السيتوبلازم بمثابة (المصنع) للخلية في حين تحتوي النواة على جميع المعلومات اللازمة لقيام الخلية بوظيفتها وتكاثرها. فالسيتوبلازم يقوم بتحويل الغذاء الذي يصله إلى طاقة وجزيئات صغيرة. وتتحول هذه الجزيئات الصغيرة فيما بعد إلى جزيئات أكثر تعقيداً وهي التي تحتاجها الخلية لعمليات التجديد والانقسام. أما النواة فتحتوي على الكروموسومات والتي تعتبر تراكيب سلسليه طويلة من الجينات وتحتوي خلية الإنسان على 46 كروموسوم. وتتكون الجينات من حامض ديوكسي ريبونيوكليك ومن جزيئات بروتينية وتحمل جميع المعلومات التي تحمل الصفات الوراثية.

وتقوم الخلايا بالتكاثر للمحافظة على النوع وتعويض ما يموت منها.ويتراوح عمر الخلية (وبالتالي معدل انقسامها أو تكاثرها في الإنسان) بين عدة ساعات وعدة سنوات وذلك حسب نوع الخلية. ويحدث التكاثر عادة بطريقتين الأولى هي التكاثر اللاجنسي (mitosis) ويحدث في خلايا الجسم العادية حيث يتضاعف عدد الكروموسومات طولياً ثم تنقسم الخلية الأصلية إلى خليتين مشابهتين تماماً للخلية الأصلية.أما الطريق الثانية فتعرف بالتكاثر الجنسي (meiosis) وهو نوع خاص يحدث بين نوع من الخلايا تدعى خلايا التكاثر الجنسي وهي الحيوان المنوي في الذكر والبويضة في الأنثى. ويحدث هذا النوع من التكاثر مرة واحدة خلال دورة حياة الخلية.فعند تلاقي الحيوان المنوي مع البويضة يتحدان و تتجمع كروموسوماتهما مكونين بذلك خلية جديدة تحتوي على الجينات (المواد الوراثية) من كلا الوالدين و تتكون بذلك البويضة المخصبة0

تفاعل الإشعاعات مع الخلية



عند سقوط الإشعاعات المؤينة على الخلية فإنها تؤدي إلى تأين بعض مكوناتها و خصوصا جزيئات الماء الذي يمثل الجزء الأكبر في \أي خلية حية. ويؤدي تأين جزيئات الماء إلى حدوث تغيرات كيميائية تؤدي بدورها إلى إحداث تغيرات في تركيب ووظيفة الخلية. ويمكن إن تظهر نتائج هذه التغيرات في الإنسان على شكل أعراض إكلينيكية كأمراض الإشعاعي أو إعتام عدسة العين أو في الإصابة بالسرطان على المدى الطويل.

وهكذا تؤدي الإشعاعات المؤينة إلى إتلاف الخلية من خلال عدة مراحل مختلفة ومعقدة نوجزها فيما يلي 

المرحلة الفيزيائية  physical Stage 

وهي تتم خلال زمن قصير جداً حوالي 10-16 ثانية وفيها تنتقل الطاقة من النوع المعين من الإشعاعات إلى جزيئات الماء في الخلية ويحدث التأين وفقاً للتفاعل التالي

حيث H2O+  هو أيون الماء الموجب، e-   هو الإلكترون السالب.

المرحلة الفيزيوكيميائية  Physico - chemical Stage:

وتتم هذه المرحلة خلال زمن قصير حوالي 10-6 ثانية بعد حدوث التأين ويحدث خلالها تفاعل الأيونات الموجبة والسالبة مع جزيئات الماء الأخرى فينتج عن هذا التفاعل عدة مركبات جديدة. فعلى سبيل المثال يمكن أن يتحلل أيون الماء الموجب مكوناً أيون هيدروجين موجب H+  وهيدروكسيد OH وفقاً للتفاعل التالي:

أما الإلكترون السالب e-  فيمكن أن مع جزيء ماء متعادل مكوناً بذلك أيون ماء سالب أي:

ثم يتحلل هذا الأيون الأخير مكوناً الهيدروجين وأيون الهيدروكسيد السالب أي:   

وهكذا تؤدي هذه التفاعلات إلى تكوين كل من OH , H , OH- , H+  . وأيونات الH+  و OH- موجودة دائماً في الماء ولا تشترك عموماً في إحداث تفاعلات تالية. وأما بالنسبة للنواتج الأخرى وهي الهيدروجين H والهيدروكسيد OH فهي معروفة بنشاطها الكيميائي الشديد. كذلك يمكن أن يتكون ناتج آخر هو فوق أكسيد الهيدروجين الذي يعتبر عاملاً مؤكسداً قوياً وذلك وفقاُ للتفاعل التالي:

المرحلة الكيميائية chemical Stage

وتستغرق هذه المرحلة عدة ثواني حيث يتم خلالها تفاعل نواتج المرحلة السابقة وهي الهيدروجين H والهيدركسيد OH وفوق أكسيد الهيدروجين H2O2 مع الجزيئات العضوية المختلفة في الخلية. فمثلاً يمكن أن تتفاعل هذه النواتج مع الجزيئات المعقدة التي تتكون منها الكروموسومات فتتحد معها أو تؤدي إلى تكسير تراكيبها السلسليه الطويلة وإحداث بعض التغيرات في الجينات.


المرحلة البيولوجية Biological Stage

ويتراوح زمن هذه المرحلة بين عدة دقائق وعدة عشرات السنوات. وتبدأ في هذه المرحلة ظهور آثار التغيرات الكيميائية التي حدثت في الخلية. وبعض هذه الآثار هي:

موت الخلية0

منع أو تأخر انقسام الخلية أو زيادة معدل انقسامها0

حدوث تغيرات مستديمة في الخلية تنتقل وراثيا إلى الخلايا الوليدة0


 وهكذا فان آثار الإشعاعات على الإنسان والكائنات الحية الأخرى ناتجة عن إتلاف الخلايا0 ويمكن أن تتجلى هذه الآثار في الشخص نفسه المتعرض للإشعاع نتيجة إتلاف الخلايا العادية لجسمه وتعرف هذه الآثار عندئذ بالآثار الجسديةsomatic effects 0كذالك يمكن إن تنتقل هذه الآثار إلى الأبناء أو الأجيال التالية للشخص المتعرض وتعرف الآثار عندئذ بالآثار الوراثية hereditary effects0وتنتج هذه الآثار الوراثية عن إتلاف خلايا الأعضاء التناسلية للشخص المتعرض للإشعاعات المؤينة0                                                                                                                                                             


الآثار الجسدية للإشعاع



الآثار المبكرة

الآثار المبكرة هي تلك التي تحدث خلال فترة تتراوح بين عدة ساعات وعدة أسابيع من وقت التعرض لجرعة كبيرة من الإشعاعات خلال زمن



قصير (لمدة ساعات قليلة). وترجع هذه الآثار إلى استنزاف جزء كبير من خلايا بعض أعضاء الجسم بسبب موت هذه الخلايا أو بسبب منع أو تأخر انقسامها. وتعود معظم أمراض الآثار المبكرة إلى تلف خلايا النخاع العظمي أو الخلايا العصبية أو الخلايا المعوية تبعاً للجرعة الممتصة وأهم هذه الآثار هي:

المرض الإشعاعي

يصاب الشخص الذي يتعرض لجرعة عالية من الإشعاعات المؤينة بالمرض الإشعاعي 0و أهم أعراضه الشعور بالغثيان والقيء، و تبدأ أعراض هذا المرض بالظهور بعد ساعات قليلة من التعرض للإشعاعات0وقد تقصر مدة ظهور الأعراض أو تطول وذلك حسب قيمة الجرعة الممتصة من الإشعاعات0 فإذا كانت الجرعة الممتصة خلال فترة زمنية قصيرة (عدة ساعات مثلا )في حدود غري  واحد فانه يمكن إن تظهر الأعراض خلال ساعات قليلة 0    

 وتنتج أعراض المرض الإشعاعي عن إتلاف عدد كبير من الخلايا المبطنة للجدار المعوي وهو ما يؤدي إلى الإحساس بالقيء والغثيان0 ويزداد احتمال الوفاة المبكرة بهذا المرض كلما زادت الجرعة الممتصة0فإذا كانت الجرعة في حدوث 2 غري فانه يمكن أن تحدث الوفاة خلال فترة تتراوح بين أسبوع أو أسبوعين0 

وتجدر الإشارة إلى انه لا توجد قيمة فاصلة بين الجرعات المميتة والجرعات غير المميتة0ولكن يمكن القول انه إذا كانت الجرعة أقل من حوالي 1.5 غري فان احتمال الوفاة المبكرة يكون صغيرا 0أما إذا زادت الجرعة عن حوالي 8 غري فان احتمال الوفاة المبكرة يكون كبيرا0


الجرعة المميتة النصفية الشهرية  (lethal-dose) 

هي تعبر عن الجرعة التي يمكن اعتبارها مميتة لنصف المتعرضين (50% منهم) خلال ثلاثين يوماً من التعرض. وتصل قيمة هذه الجرعة في الإنسان إلى حوالي 3غري، وبالنسبة للجرعات التي تتراوح بين (3-10)غري تحدث الوفاة عادةً بسبب العدوى الثانوية (secondary infections) حيث أن هذه الجرعات تؤدي استنزاف كرات الدم البيضاء وهي الكرات المسؤولة عن وقاية الجسم ضد العدوى. لذا يعرف مدى الجرعات من (3-10)غري بمنطقة الموت بالعدوى. وفي هذه المنطقة يمكن زيادة فرص البقاء وذلك بعزل المريض ووضعه في جو كامل التعقيم ونقل نخاع عظمي إليه لتنشيط عملية إنتاج كرات الدم البيضاء.

أنا بالنسبة للجرعات التي تزيد على 10 غري فينخفض زمن بقاء الإنسان (Survival Time) إلى حوالي 3-5 أيام. ويبقى هذا الزمن في هذه الحدود نفسها حتى جرعات عالية جداً. وتؤدي الجرعات الإشعاعية في هذه المنطقة إلى استنزاف عنيف لخلايا الجدار المبطن للأمعاء حث يحدث فيه تلف شامل فتهاجمه البكتريا بشدة. لذا تعرف هذه المنطقة من الجرعات بمنطقة الوفاة الناتجة عن الالتهابات المعوية(gastrointestinal death).


تلف الجهاز المركزي العصبي (CNS) 



بزيادة الجرعات يتناقص زمن البقاء تدريجياً. وعموماً لا توجد بيانات كافية عن الإنسان في هذه المنطقة ولكن من النتائج التجريبية على الحيوانات ثبت ظهور أعراض تدل على حدوث بعض التلف في الجهاز العصبي المركزي. لذا تسمى هذه المنطقة من لجرعات بمنطقة الجهاز العصبي المركزي ومع ذلك فقد ثبت أن الوفاة لا تتم في الحال حتى بالنسبة للحيوانات التي تعرضت لما يزيد على 500غري.


الإريثيما (Erythema) 



وهو عبارة عن احمرار الجلد، ويظهر بمجرد التعرض للجرعات فوق الخطيرة. ومعروف أن الجلد معرض للإشعاع اكثر من أي نسيج آخر في الجسم خصوصاً بالنسبة للأشعة السينية ذات الطاقة المنخفضة والإلكترونات (لأن قدرتها على الاختراق ضعيفة). لذا فإن التعرض لجرعة مقدارها حوالي 3 غري من الأشعة السينية ذات الطاقة المنخفضة يؤدي إلى الإريثيما. وعند زيادة الجرعة يمكن أن تظهر أعراض أخرى كالحروق والتقيحات وغيرها.

وتجدر الشارة هنا إلى أن المناسيب الإشعاعية الناتجة عن محطات الطاقة النووية أو عن وسائل التطبيقات الصناعية والطبية للإشعاعات التي يتعرض لها العاملون تكون عادةً أقل بكثير من تلك المناسيب الخطرة. ولكن يمكن الحصول على الجرعة الخطرة نتيجة وقوع حادث نووي (كدخول صالة مفاعل مثلاً بينما تكون إحدى قنواته مفتوحة أو ما شابه). ومع ذلك فإن الجرعات الصغيرة التي يحصل عليها العاملون أثناء عمليات التشغيل العادي يمكن أن تؤدي إلى آثار ضارة ولكن على المدى البعيد وهذا ما يعرف بالآثار المتأخرة.

الآثار المتأخرة 

الإصابة بالسرطان



أصبح الآن معلوماً أن فني الأشعة أو المرضى الذين تم علاجهم أو تشخيص أمراضهم بجرعات إشعاعات عالية نسبياً معرضون للإصابة ببعض أنواع السرطان أكثر من غيرهم ممن لم يتعرض للإشعاعات. ولقد أدت الدراسات الحديثة للمجموعات البشرية التي تعرضت للإشعاعات الناتجة عن القنابل الذرية أو المرضى الذين تم علاجهم بالإشعاعات النووية أو عمال مناجم اليورانيوم إلى تأكيد قدرة الإشعاعات على تكوين السرطان.

والسرطان هو عبارة عن تكاثر الخلايا في العضو المعين بمعدل فوق المعدل الطبيعي. ويعتقد البعض أنه ناتج عن تلف جهاز التحكم في الخلية مما يؤدي إلى انقسامها بمعدل أسرع من المعدل الطبيعي. وتحمل الخلايا الوليدة الصفة نفسها فتنقسم بدورها بالمعدل السريع نفسه مما يؤدي إلى تكوين نسيج سرطاني يضر بالأنسجة العادية في العضو المعين.

    ويعتبر تقدير زمن احتمال الإصابة بالسرطان بسبب التعرض للإشعاعات عملية معقدة للغاية نظراً لعدم إمكانية فصل السرطان الناتج عن الإشعاع عن مثيله الناتج ذاتياً. ولكن يبدو من بعض الإحصائيات انه قد ظهر خلال مدة تتراوح بين 5-30 سنة من وقت التعرض للإشعاع. ونظراً للصعوبات المختلفة المتعلقة بمدى الإصابة وزمن ظهورها فقد اتفق عالمياً من وجهة نظر الوقاية الإشعاعية على أن أي جرعة من الإشعاعات  -مهما قلت- تحمل معها احتمالا للإصابة بالمرض بالنسب للمناسيب الإشعاعية العالية. فقد تم عمل دراسات إحصائية دقيقة على المجموعات البشرية التي تتعرض لجرعات عالية من الإشعاعات كالأطباء وفني الأشعة وعمال مناجم اليورانيوم. ولكن الدراسة الأكثر دقة هي تلك التي أجريت على ضحايا التفجيرين النوويين على كل من هيروشيما  و ناجازاكي عما 1945م . فقد تم دراسة العلاقة بين الجرعة الإشعاعية ونسبة الإصابة وذلك عند الجرعات العالية. أما بالنسبة للجرعات المنخفضة فلا توجد بيانات إحصائية كافية عن الإنسان. لذل فقد استخدم امتداد المنحنى من الجرعات العالية إلى الجرعات المنخفضة. ذلك كالمنحنى المبين أدناه. ولكن اللجنة الدولية للوقاية من الإشعاع (ICRP) أوصت باستخدام الامتداد المستقيم ب على الشكل بدلاً من المنحني لتقدير احتمال الإصابة عند الجرعات المنخفضة. وتستخدم هذه البيانات حالياُ لتقدير احتمال عند التعرض للإشعاعات ذات المناسيب المنخفضة. وبناءاً على ذلك فإنه إذا كان احتمال الإصابة بالسرطان عند جرعة سنوية مقدارها 10 ميللي سيفرت هو 1/10000 فإنه عند جرعة مقدارها 100ميللي سيفرت يصبح احتمال الإصابة هو 1/1000 .

وما زالت دراسة احتمال إصابة أعضاء الجسم المختلفة بالسرطان الناتج الإشعاعات تحت المراجعة المستمرة. ويبين الجدول التالي البيانات الصادرة عن مجلس البحوث الطبية للمملكة المتحدة والذي يوضح عدد الإصابات الممشطة بأنواع مختلفة من السرطان لكل مليون نسمة عند التعرض لجرع إشعاعية مكافئة مقدارها 1 ميللي سيفرت. ويعني ذلك انه إذا تعرض مليون رجل لجرعة إشعاعية مقدارها 1 مللي سيفرت لكل منهم فهذا يعني إصابة 10 رجال بالسرطان المميت(بالنسبة للنساء 15) ويظهر اثر الإصابة خلال فترة تصل إلى عشرات السنيين. ولمقارنة ذلك بالسرطان الناتج ذاتياً فإنه تجدر الإشارة إلى انه بين كل مليون شخص يموت سنوياً 2000 شخص بالسرطان الذاتي.

عتامة عدسة العين  Cataract



ومن بين الآثار المتأخرة الناتجة عن الإشعاعات هو تكون عتامة في عدسة العين وهو المرض المعروف باسم الكتاراكت. وتجدر الإشارة إلى إنه توجد قيمة معينة للجرعات المكافئة التي يحدث بعدها هذا المرض هي حوالي 15 ميللي سيفرت. لذا يجب إن لا تزيد الجرعة التي تتعرض لها العين طول حياتها عن هذه القيمة حتى لا تتعرض لهذا المرض. 


انخفاض متوسط العمر

هناك بعض الحقائق من التجارب التي أجريت على الحيوانات التي تؤكد إن متوسط العمر ينخفض قليلاً بالتعرض للإشعاعات. ولقد أظهرت الإحصائيات التي تم إجراؤها على المجموعات البشرية التي تعرضت لجرعات عالية أن جرعة مكافئة مقدارها واحد سيفرت تؤدي إلى قصر عمر الإنسان بما لا يزيد عن سنة واحدة.

 

الآثار الوراثية للإشعاعات

تنتج الآثار الوراثية للإشعاعات عن تلف الخلايا التناسلية. مما يؤدي إلى مجموعة من التغيرات الوراثية(Genetic Mutations) في المادة الوراثية للخلية. وقد سبقت الإشارة إلى أن التكاثر يحدث نتيجة إخصاب البويضة(Ovum) بالحيوان المنوي (Sperm) وبالتالي تحصل البويضة المخصبة على مجموعة متكاملة من المواد الوراثية من كلا الوالدين. وبذلك يحصل الطفل على مجموعتين متتامتين من الجينات الوراثية بواقع مجموعة مكن كل والد. وقد وجد أن أحد الجينات يكون هو الغالب (السائد) في حين يكون الآخر منحسراً. والجينات الغالبة هي التي تحدد الصفات الوراثية الشخصية.

    أما الجينات المنحسرة فلا تقوم بدور في تحديد الصفات إلا عندما يجتمع اثنان من الجينات من النوع المنحسر. ولما كانت معظم الأمراض تكمن في الجينات المنحسرة، لذا فهي لا تكشف عن نفسها إلا عندما يكون لدى الوالدين هذه الجينات المنحسرة نفسها. وتجدر الإشارة إلى إن التغيرات الوراثية الذاتية(أي بدون تأثير الإشعاع) هي المسؤولة عن الجزء الأعظم من الخمسمائة مرض التي يعاني منها العالم. 

    وعموماً فإن الإشعاعات تؤدي إلى زيادة معدل تغيير الجينات وهذه التغيرات لا يمكن تميزها عن تلك التي تحدث ذاتياً لذا فإن التعرض للإشعاعات يؤدي إلى زيادة نسبة الأفراد المرضى وراثياً في الأجيال التالية.

    إن احتمال الإصابة بالآثار الوراثية نتيجة تعرض الأعضاء التناسلية للإشعاع غير واضح حتى الآن. ولكن تجدر الإشارة إلى أن اللجنة الدولية للوقاية من الإشعاع قد قدرت احتمال حدوث ولادات مشوهة وراثياً في حدود الجيلين الأول والثاني للشخص المتعرض للإشعاع من أي من الوالدين بواقع عشرة أطفال لكل مليون نسمة إذا كان التعرض الإشعاعي بواقع ميللي سيفرت واحد سنوياً. أما بالنسبة لجميع الأجيال فقد قدر عدد الولادات المشوهة بواقع 20 في المليون عند قيمة التعرض نفسها. وحيث إن متوسط سن الإنجاب هو 30عاماً لذا فإن جزءاً من الجرعة الممتصة أثناء فترة حياة الإنسان هي التي تعتبر ضارةً وراثياً. وللسبب نفسه ينصح بإنجاب الأطفال قبل التعرض لجرعات إشعاعية ذات قيمة محسوسة.

الآثار العشوائية والحدية (القطعية) للإشعاعات

الآثار العشوائية: 

الآثار العشوائية التي تظهر آثارها بعد فترة كمون طويلة ربما تبلغ عشرات السنيين تنجم عن جرعة قليلة من الإشعاع. 

الآثار الحتمية (القطعية):

الآثار الحتمية التي لا تحتاج إلى فترة كمون لظهور آثار التعرض والتي عادةً ما تكون ناجمة عن جرعة إشعاعية عالية وبزمن قصير.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

Artifact In CT

التأثيرات البيولوجية للإشعاعات المؤينة

التعقيم في غرفة القسطرة