اهم النويدات المشعة التي تنطلق عند وقوع حادث نووي على غرار تشرنوبل
اهم النويدات المشعة التي تنطلق عند وقوع حادث نووي على غرار تشرنوبل
أهم النويدات المشعة التي تنطلق عند وقوع حادث نووي على غرار كارثة تشرنوبل
عند حدوث حادث نووي كبير كحادثة تشرنوبل عام 1986 أو فوكوشيما عام 2011، تُطلَق في الجو مجموعة من النويدات المشعة الناتجة عن الانشطار النووي أو تناثر الوقود النووي. وتكمن خطورة هذه النويدات في قدرتها على الانتشار في البيئة والهواء والمياه، ودخولها السلس إلى السلسلة الغذائية ثم إلى جسم الإنسان، مسببةً آثارًا إشعاعية خطيرة على المدى القصير والطويل (IAEA, 2006؛ WHO, 2016).
---
أولاً: اليود-131 (Iodine-131)
يُعد اليود-131 من أخطر النويدات المشعة المنبعثة في الحوادث النووية، حيث يُصدر إشعاعات بيتا وجاما ويتمتع بقدرة عالية على التطاير في الجو. يبلغ عمره النصفي نحو 8.1 يوم، أي إن تركيزه الإشعاعي ينخفض إلى نحو العُشر بعد شهر واحد تقريبًا (NRC, 2019).
تكمن خطورته في ميله الحيوي إلى الترسّب داخل الغدة الدرقية، إذ يتعامل الجسم معه كما يتعامل مع اليود الطبيعي. يؤدي ذلك إلى تشعيع موضعي لأنسجة الغدة، مما قد يسبب قصورًا درقيًا أو سرطان الغدة الدرقية، خاصة لدى الأطفال والمراهقين (WHO, 2016؛ NCBI, 2020).
وللوقاية من امتصاصه، توصي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإعطاء اليود المستقر (Stable Iodine) على شكل يودات البوتاسيوم (Potassium Iodate) أو يود البوتاسيوم (Potassium Iodide)، سواء أقراص أو قطرات من محلول لوغول، قبل التعرض أو أثناءه مباشرة (IAEA Safety Report No. 91, 2015). تعمل هذه المواد على إشباع الغدة باليود الطبيعي، مما يمنع امتصاص اليود-131 المشع.
---
ثانياً: السيزيوم-137 (Cesium-137)
يُعد السيزيوم-137 من أكثر النويدات استقرارًا في البيئة بعد الكوارث النووية. يُصدر إشعاعات جاما وبيتا، ويتميز بعمر نصف طويل يقارب 30 سنة، ما يجعله مصدر تلوث طويل الأمد (EPA, 2020).
يتوزع السيزيوم-137 في أنسجة الجسم الطرية، خصوصًا العضلات، مسبِّبًا تعرضًا إشعاعيًا داخليًا مستمرًا. وتشير دراسات مركز السيطرة على الأمراض الأمريكي (CDC, 2019) إلى أن دخوله يتم أساسًا عبر البلع أو الاستنشاق من الأطعمة أو الغبار الملوث.
يُعالج التلوث الداخلي به بإعطاء مادة البروسين الأزرق (Prussian Blue)، وهي مركّب من حديد وسيانيد الحديديك (Ferric Ferrocyanide)، ترتبط بأيونات السيزيوم وتمنع امتصاصه من الأمعاء، فتُسهِّل طرحه مع الفضلات (WHO, 2016؛ EPA, 2020).
---
ثالثاً: السترونتيوم-90 (Strontium-90)
ينبعث السترونتيوم-90 في شكل جسيمات بيتا عالية الطاقة، وله عمر نصف طويل يبلغ نحو 28.8 سنة (CDC, 2021). ويتشابه في سلوكه الحيوي مع الكالسيوم، مما يجعله يترسّب في العظام والأسنان. وهنا تكمن خطورته، إذ تصبح إشعاعاته قريبة من نخاع العظم الحساس، مسببةً اضطرابات دموية وسرطانات عظمية محتملة (IAEA, 2006؛ NCBI, 2022).
يمكن الحد من امتصاصه بإعطاء الجينات الكالسيوم (Calcium Alginate) التي ترتبط به داخل القناة الهضمية وتمنع امتصاصه الكامل. كما يمكن في حالات تلوث الجروح استخدام روديزونات الكالسيوم (Calcium Rhodizonate) لرش المنطقة الملوثة فورًا لمنع انتقال النظير إلى الدم (CDC, 2021).
---
رابعاً: السيزيوم-134 (Cesium-134)
يُعتبر السيزيوم-134 نظيرًا للسيزيوم-137، ويتميز بعمر نصف أقصر يبلغ 2.1 سنة تقريبًا (ENV Japan, 2012). ويُعدّ مسؤولاً عن التلوث الإشعاعي قصير المدى بعد الحوادث النووية، إذ يُصدر إشعاعات جاما وبيتا ويُحدث التأثيرات الفيزيولوجية ذاتها للسيزيوم-137، لكن حدتها تتراجع مع مرور الوقت نظرًا لقصر عمره النصفي (IAEA, 2015).
في حادثة تشرنوبل، بلغت نسبة السيزيوم-134 نحو نصف كمية السيزيوم-137 المنبعثة (UNSCEAR Report, 2000).
---
خامساً: التريتيوم (Tritium, ³H)
التريتيوم هو نظير مشع للهيدروجين، عدده الكتلي 3، ويُصدر جسيمات بيتا منخفضة الطاقة. وبسبب كونه مكونًا من مكونات الماء (HTO)، فإنه ينتشر بسرعة داخل سوائل الجسم كافة، مما يسبب تشعيعًا داخليًا عامًا (IAEA, 2008).
توصي الدراسات بزيادة تناول السوائل ومدرات البول لتسريع التخلص منه عن طريق الكلى، رغم أن خطورته الإشعاعية أقل من معظم النويدات السابقة بسبب طاقته المنخفضة (WHO, 2016).
---
سادساً: اليورانيوم-238 (Uranium-238)
يُعد اليورانيوم-238 من النظائر الثقيلة التي تُصدر إشعاعات ألفا منخفضة النفاذية، إلا أن خطورته تكمن في سميته الكيميائية العالية للكلى عند التلوث الداخلي (IAEA Technical Reports Series No. 472, 2009).
يمكن إعطاء محلول بيكربونات الصوديوم (Sodium Bicarbonate) للمساعدة في معادلته داخل الجسم، لكن فعاليته تبقى محدودة حسب تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) ومنظمة الصحة العالمية (WHO).
---
سابعاً: البلوتونيوم (Plutonium)
يُعد البلوتونيوم من العناصر ذات النشاط الإشعاعي الشديد، إذ يطلق جسيمات ألفا. لا يُمتص بسهولة من الجهاز الهضمي، إلا أن استنشاقه يشكل خطرًا بالغًا بسبب ترسبه في الرئتين (NRC, 2020).
توصي بعض المراجع باستخدام كبريتات المغنيسيوم (Magnesium Sulfate) كعامل مقيئ معتدل في حالات الابتلاع، بينما تُستخدم مركّبات الكيليشن (Chelation) مثل DTPA لعلاج التلوث الداخلي الناتج عن الاستنشاق (IAEA, 2009).
---
ثامناً: نويدات أخرى
تشمل النويدات الأخرى المنبعثة في الكوارث النووية الروبيديوم-103 (عمر نصف ≈ 40 يوم)، الروبيديوم-106 (≈ 1 سنة)، الباريوم-140 (≈ 13 يوم)، إضافةً إلى السيزيوم-141 و144، والفاناديوم-95، والزركونيوم-95، وجميعها نواتج انشطار ذات عمر نصف متباين ومستويات إشعاعية متوسطة إلى عالية (UNSCEAR, 2000؛ ENV Japan, 2012).
وتُشير دراسات الأمم المتحدة إلى أن الأربعة الأكثر تأثيرًا على الصحة العامة بعد أي حادث نووي هم: اليود-131، السيزيوم-134، السيزيوم-137، والسترونتيوم-90 (UNSCEAR Report 2000).
---
خلاصة علمية
تؤكد معظم المراجع الدولية (IAEA, WHO, UNSCEAR) أن السيطرة على التلوث الإشعاعي في الساعات الأولى من الحادث هي العامل الحاسم في تقليل الضرر. وتشمل الإجراءات:
1. إعطاء اليود المستقر لتثبيط امتصاص اليود-131.
2. إعطاء البروسين الأزرق في حالات تلوث السيزيوم-137 أو السيزيوم-134.
3. تطبيق الجينات الكالسيوم أو روديزونات الكالسيوم للسترونتيوم-90.
4. الإكثار من السوائل ومدرات البول في حالات التريتيوم.
5. إجراءات كيليشن (Chelation therapy) للبلوتونيوم واليورانيوم عند الضرورة.
تُظهر التجارب التاريخية من تشرنوبل وفوكوشيما أن الفهم الدقيق لسلوك هذه النويدات، والالتزام بإجراءات الحماية الطبية والبيئية، يُعدّان حجر الأساس في التخفيف من آثار الكوارث النووية على الإنسان والبيئة.
---


تعليقات